icon

استشارة قانونية مجانية هنا!

إذا كنت بحاجة إلى مساعدة محام - اسأل هنا ، نجيب سريعًا ومجانيًا!

الدردشة عبر الإنترنت مع محام

كيفية إلغاء التبرع

  بقاء الحال من المحال، فالأحوال تتغير دوما وتتغير معها القناعات والقرارات، ومن ذلك قرار الواهب في هبته التبرعية.

اما الهبة بمقابل مال أو منافع قدمها الموهوب له للواهب أو الهبة نظير الدين الذي بذمة الواهب للموهوب له، وكذا اذا قام الموهوب له بقبض الهبة :ففي هذه الحالات لايملك الواهب الرجوع عنها، لان حكمها كحكم البيع أو الإجارة أو الوفاء بدين، فهي تصرفات لازمة وان اتخذت شكل الهبة، فهذه التصرفات تختلف عن الهبة التبرعية( من غير مقابل )، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-9-1999م في الطعن رقم (412) الذي ورد ضمن أسبابه: ((هذا وبعد المداولة والتأمل وجدنا ما قرره الحاكم من صحة رجوع (فلانة بنت فلان) عما تنازلت منه لأولاد زوجها المذكورين موافقاً للشرع والقانون، لما تبين ان التنازل هو تنازل عن أموال لا عن حقوق، ثم ان التنازل هبة من غير عوض فيصح الرجوع عنها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم {الراجع عن هبته كالراجع عن قيئه فهذا الحديث وان كرهه الرجوع الا انه يدل على أنه يصح الرجوع عن الهبة مع كراهة ذلك}، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية الرجوع عن الهبة :

يطلق بعض الفقهاء على الرجوع عن الهبة مصطلح(  الإعتصار ) لما فيه من تضييق على الموهوب له حتى يحمله على رد الهبة، في حين ان المسمى المعروف والمشهور  عند جمهور الفقهاء هو : ( الرجوع عن الهبة)، ويمكن تعريف الرجوع عن الهبة بأنه : زوال صفة الواهب والموهوب له في الهبة بإرادة الواهب ولو من غير إرادة الموهوب له  إذ ا كانت لم يتم قبضها أو قام الموهوب له  بردها برضاه،  أو بالتقاضي إذا كانت  الهبة  تبرعية من دون عِوَض أو لم يقبضها الموهوب له.

 ويقع الرجوع عن الهبة رضاءً أو قضاءً، ويعد الرجوع عن الهبة فسخا وإنهاء لاثارها .  

والرجوع عن الهبة  لايقع الا من الواهب نفسه او من يقوم بتوكيله لهذه الغاية، ولم يشترط القانون صيغة أو شكلية معينة  للرجوع عن الهبة، ولذلك يجوز للواهب ان يرجع  عن هبته بأية وسيلة يفهم منها ان الواهب قد عدل عن هبته، فيقع رجوع الواهب  بالفعل عن طريق قيام الواهب باسترداد الهبة واخذها من قبضة أو  حوزة الموهوب له، فرجوع الواهب يصح بالفعل أو بالقول او الكتابة.

وكذا يجوز للواهب التصرف في هبته قبل ان يقبلها الموهوب له، لأن الهبة في هذه الحالة لم تخرج عن ملكية الواهب، كما يجوز للواهب أن  يتصرف بالمال الموهوب بعد قبض الموهوب له للهبة ، فيكون تصرف الواهب في هذه الحالة رحوعا عن هبته تنطبق عليه أحكام الرجوع عن الهبة، وفقا للمــادة(191) أحوال شخصية التي نصت على أن( للواهب التصرف في الموهوب قبل القبول فهو على ملكه لها اذا تصرف فيه بعد القبول فتصرفه رجوع تنطبق عليه احكام الرجوع المبينة في الفصل الثالث) من هذا الباب ).

 الوجه الثاني : الهبات التي يجوز الرجوع عنها :

متى تمت الهبة صحيحة مستوفية أركانها وشروطها الأصل فيها ان تكون عندئذ لازمة تترتب عليها آثارها، وفي هذا المعنى نصت المــادة(184) من قانون الأحوال الشخصية على أنه( اذا تمت الهبة مستوفية اركانها وشروطها المبينة في الفصل السابق فهي صحيحة ويترتب عليها اثارها من تملك الموهوب له المال الموهوب او استباحة المنفعة في الحال والتزامه باداء العوض مالا او منفعة او غيرها)، وعلى ذلك فإن الرجوع عن الهبة لايقع الا على الهبة الصحيحة.

 

والهبة التي يجوز الرجوع فيها  هي الهبة التبرعية التي تكون من غير مقابل، وفي هذا المعنى نصت المــادة(189) أحوال شخصية على أن( الهبة التبرعية يجوز الرجوع فيها في الاحوال وبالشروط المنصوص عليها في الفصل الثالث من هذا الباب)، والهبة التبرعية هي التي ليس لها مقابل  سواء أكان  هذا المقابل مالا ام منافع كخدمة الواهب أو النفقة عليه.وتأخذ حكم الهبة التبرعية الهبة التي يقدمها الواهب للموهوب له لغرض حسبما أشارت المــادة(188) أحوال شخصية التي نصت على أن( الهبة على عوض مشترط ان كان مالا او منفعة تاخذ حكم البيع، وان كان غرضا تبقى على حكم الهبة التبرعية )، فقد صرح هذا النص بأن الهبة مقابل المال تكون بيعا تسري عليها أحكام البيع، لأنها في حكم البيع، وان كان مقابل  الهبة منفعة، فيكون حكم الهبة في الحالة حكم الأجرة مقابل الخدمة التي قدمها الموهوب له للواهب، وان كان مقابل الهبة نفقة فيكون حكم الهبة كحكم الوفاء بدين في ذمة الواهب.

 

اما إذا كانت الهبة لغرض معلوم من الواهب كصلة رحم أو إعانة أو مساعدة أو غير ذلك من الأغراض، فذلك يعني أن الهبة في هذه الحالة من غير مقابل حصل عليه الواهب، ومؤدى ذلك انها الهبة في هذه الحالات هبة تبرعية يكون حكمها حكم الهبة التبرعية من حيث جواز الرجوع عنها بحسب الشروط التي سوف نذكرها لاحقا في الأوجه المقبلة.

 وكذا يجوز للواهب التصرف في هبته قبل ان يقبلها الموهوب له، لأن الهبة في هذه الحالة لم تخرج عن ملكية الواهب، أما بعد القبض فلايجوز الرجوع الا  اذا كان الواهب ابا أو اما بحسب القول المختار في الفقه الإسلامي وكذلك الحال في القانون اليمني اذا لم يستهلك الولد الموهوب له المال الموهوب، فيكون تصرف الواهب في هذه رحوعا عن هبته تنطبق عليه أحكام الرجوع عن الهبة وفقا للمــادة(191) أحوال شخصية التي نصت على أن( للواهب التصرف في الموهوب قبل القبول فهو على ملكه لها اذا تصرف فيه بعد القبول فتصرفه رجوع تطبق عليه احكام الرجوع المبينة في الفصل الثالث) من هذا الباب )، فقد أحال هذا النص احكام الرجوع بعد القبض إلى الشروط والضوابط والإجراءات الآتي ذكرها في الأوجه المقبلة.

الوجه الثالث : الحالات التي يجوز فيها الرجوع  عن الهبة التبرعية  :

 

الرجوع عن الهبة مكروه للنصوص الشرعية الكثيرة  المتساندة في هذا الباب، ومنها الحديث النبوي الشريف الذي أستند إليه الحكم محل تعليقنا، إلا أن قانون الأحوال الشخصية قد اجاز الرجوع عن الهبة التبرعية، وذلك في الحالات  التي حددتها المــادة(196) أحوال شخصية التي نصت على أنه( لا يجوز الرجوع في الهبة التبرعية الا في الاحوال الاتية:1- ان تكون الهبة التبرعية لغرض (مصلحة) ظاهر او مضمر تدل عليه قرائن الحال وتعذر تحقيق الغرض .2- ان يكون الواهب ابا او اما للموهوب له .3- ان يكون للواهب عذر تحقق بعد الهبة بان اصبح فقيرا عاجزا عن الكسب )، ومن خلال مطالعة النص السابق يظهر انه قد قرر ان الأصل عدم جواز الرجوع عن الهبة  الا في الحالات المحددة في النص، كما ان النص  لم يقيد الرجوع بعدم قبض الموهوب للهبة، لأن شروط الرجوع قد تضمنها نص اخر سوف نبينه في الوجه الثاني، ونشرح بايحاز الحالات  التي يجوز فيها الرجوع عن الهبة المشاراليها في النص بايحاز، وذلك على النحو الآتي :

 

 الحالة الأولى : ان تكون الهبة التبرعية لغرض (مصلحة) ظاهرة او مضمرة تدل عليه قرائن الحال وتعذر تحقيق الغرض:

في غالب الأحيان يكون هناك غرض للواهب من الهبة كالصدقة على الموهوب عليه أو حثه على طلب العلم أو صلة رحم  أو إعانة أو مساعدة... إلخ، ففي هذه الأحوال نلاحظ أن الهبة من غير مقابل ينتفع به الواهب مباشرة، ولذلك ففي هذه الأحوال تكون الهبة تبرعية، يجوز للواهب الرجوع فيها.، عقد الهِبة من العقود التي تتعدَّد فيه المَقاصد والأغراض والدوافع، وهذه المقاصد متعلِّقة بأصحابها، ولا يطَّلع عليها أحد غيرهم، فالواهب خبير نفسِه، فقد يهب بقصد الإحسان والإنعام على الموهوب له، فقد يهب له طمعًا في المكافأة والمجازاة عرفًا وعادةً، وقد لا يَحصل هذا المقصود من الموهوب له، وفوات المقصود من عقد مُحتمَل للفسْخِ يمنع لزومه كالبيع؛ لأنه يعدم الرضا، والرضا كما هو شرط في الصحَّة فهو شرْط اللزوم، كما في البَيع إذا وجد المُشتري بالمَبيع عيبًا، ولم يَلزمه العقد؛ لعدم الرِّضا عند عدم حصول المقصود وهو السلامة، وكذلك الهِبَة إذا لم يتحقَّق مَقصود الواهب من الهِبَة لم يلزمه عقد الهبة، ويكون له الرجوع فيها.

الحالة الثانية : - ان يكون الواهب ابا او اما للموهوب له :

وقد اختار القانون اليمني في هذه المسألة قول غالبية الفقهاء الذين قالوا بجواز الرجوع عن الهبة اذا كان  الواهب ابا او اما للموهوب له، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم(انت ومالك لابيك )، وسوف نبين ذلك تفصيلاً في الوجه الاخير من هذا التعليق.

الحالة الثالثة : إذا كان للواهب عذر تحقق بعد الهبة بان اصبح فقيرا عاجزا عن الكسب:

الأصل في الهبة وغيرها من التبرعات ان يباشرها الواهب وعنده فضل مال، فيكون الواهب وقت الهبة غنيا، لكن بقاء الحال من المحال، فالأحوال تتغير بقدرة الخالق الذي يغير ولايتغير، فقد يدرك الواهببعد الهبة  الفقر أو الإعاقة أو العجز عن الكسب، فعندئذ يكون للواهب الحق في الرجوع عن الهبة واستردادها، إذ قد تكون حالة الواهب المالية بعد الهبة أسوأ من حالة الموهوب له،وتطبيقا لذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بجواز رجوع المرأة عن هبتها لابناء زوجها، لأن الهبة كانت تبرعية من غير مقابل ولأن حالتها قد تدهورت بعد الهبة .

الوجه  الرابع : شروط الرجوع عن الهبة التبرعية :

 

 في الوجه الأول عرضنا الحالات الثلاث التي اجاز القانون للواهب فيها الرجوع عن الهبة، وذكرنا ان النص القانوني الذي تضمن تلك الحالات لم يذكر شروط الرجوع في تلك الحالات ، ولذلك فقد حددت المــادة(197) من قانون الأحوال الشخصية حددت شروط الرجوع عن الهبة التبرعية، فقد نصت هذه المادة على أنه ( في احوال الرجوع في الهبة التبرعية في المادة السابقة يشترط للرجوع ما ياتي:1- بقاء الواهب والموهوب له على قيد الحياة .2- ان لا يكون المال الموهوب قد هلك في يد الموهوب له حقيقة او حكما كان يكون تصرف فيه للغير، واذا هلك بعض الموهوب جاز الرجوع في الباقي مع تحقق باقي الشروط .3- ان لا يكون المال الموهوب قد زاد زيادة متصلة بما لا يتسامح في مثله الا اذا كان الواهب ابا او اما فيجوز الرجوع بشرط تعويض الموهوب له بقيمة ما زاد في الموهوب .4- ان لا يكون قد تعلق بالمال الموهوب ضمان او رهن بدين الا ان يجيز صاحب الدين او يوفى الدين .5- ان لا تكون الهبة بين زوج وزوجته . . ويشترط عدم الحيلة ومع مراعاة الفقرة (1) من المادة (196) .6- ان لا تكون الهبة لذي رحم محرم غير الولد .7- ان لا تكون الهبة صدقة )،ومن استقراء ماورد في هذا النص يظهر أنه قد وضع الشروط والضوابط  المناسبة الواضحة التي تغني عن شرحها في هذا التعليق الموجز ، وتطبيقا لذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بجواز رجوع المرأة عن هبتها لابناء زوجها لتحقق شروط الرجوع المحددة في النص، لان الواهبة الموهوب لازالا  على قيد الحياة وكذلك لازال المال الموهوب موجودا .

 

الوجه الخامس: تكييف الرجوع عن الهبة  وأثار الرجوع:

 

الرجوع عن الهبة يكون فسخا للهبة بعد نفوذها حسبما ورد في المــادة(198) أحوال شخصية التي نصت على أن( الرجوع في الهبة بعد نفوذها يعتبر فسخا ) وتترتب على الرجوع عن الهبة  عدة  آثار ذكرها قانون الأحوال الشخصية ، فقد نصت المــادة(199) على أنه( يلزم الواهب عند الرجوع تسليم ما انفقه الموهوب له على العين الموهوبة الا ان تكون الهبة على عوض لم يسلم او غرض لم يتحقق فلا رجوع للموهوب له بالنفقة)، وفي السياق ذاته نصت المادة (200)على أنه( يرد الموهوب له الغلات التي استولى عليها عند الرجوع في الهبة من وقت المطالبة بها قضائيا ) وكذا نصت المــادة(201) على أنه( اذا تلف الشيء الموهوب في يد الموهوب له بعد مطالبته عند القاضي بالرجوع في الهبة كان ضامنا سواء اكان التلف بتفريطه او بغيره ، ويضمن للواهب قيمة الشيء الموهوب وقت المطالبة)،، كما نصت المــادة(202)على أنه( اذا استولى الواهب على الشيء الموهوب بغير رضاء الموهوب له وبدون ان يحكم له بالرجوع كان ضامنا لتلف الشيء الموهوب في يده بتفريطه او بغيره اذا حكم بعدم صحة الرجوع ويضمن للموهوب له قيمة الشيء الموهوب وقت التلف )، وقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بصحة رجوع الواهبة عن هبتها و صحة فسخ الهبة، ولم يقض بغير ذلك من آثار الرجوع كالغلات مع أن ن المال الموهوب كان من الأراضي الزراعية.

 

الوجه السادس : مسائل الرجوع عن الهبة التي اتفق الفقهاء بشأنها :

لم يختلف الفقهاء في كل مسائل الرجوع عن الهبة، فقد اتفقوا بشأن مسائل كثيرة من مسائل وأحكام الرجوع عن الهبة، خلاصتها ماياتي :

أ - اتفق الفقهاء على عدم جواز رجوع الواهب في هبته التبرعية إذا قُبضت لأجنبي كانت أو لغير أجنبي؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "من وهب هِبةً على وجه الصدقة، فإنه لا يَرجِع فيها" وهذا ما أخذ به قانون الأحوال الشخصية اليمني.

 ويتم قبض هبة المنقول عن طريق إستلام المال الموهوب من قبل الموهوب له أو نائبه أو وكيله، أما قبض العقار: فإنه يكون بالتخلية والتمكين من التصرف،  فقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن قبض العقار يكون بالتخلية والتمكين من وضع الموهوب له يده على المال الموهوب والتصرف فيه ، فإن لم يتمكن منه بأن منعه شخص آخر من وضع يده عليه، فلا تعتبر التخلية  قبضا، وقيد الشافعية ذلك بما إذا كان تقدير قيمة العقار غير معتبرة ، أما إذا كان التقدير معتبرا معتبرا ـ كما إذا اشترى أرضا مذارعة اي بالذراع  ـ فلا تكفي التخلية والتمكين، بل لابد  من الذرع أو المساحة ، كما اشترط الحنفية أن يكون العقار قريبا، فإن كان بعيدا فلا تعتبر التخلية قبضا، وهو رأي ابي يوسف ومحمد بن الحسن وظاهر الرواية والمعتمد في المذهب، خلافا لأبي حنيفة، فإنه لم يعتبر القرب والبعد، واستظهر ابن عابدين أن المراد بالقرب في الدار بأن تكون في البلد، ثم إنهم نصوا على أن العقار إذا كان له قفل، فيكفي في قبضه تسليم المفتاح مع تخليته، بحيث يتهيأ له فتحه من غير تكلف. اهـ.( الموسوعة الفقهية الكويتية، ٨/٢٦٨).

 ب - اتفق الفقهاء على عدم جواز الرجوع في الهبة، إذا كانت بعِوَض، وقد أخذ بذلك القانون اليمني حسبما سبق بيانه.

 جـ - اتفق الفقهاء على سقوط الدَّين، إذا وهب الدائن الدين للمدين؛ لأن الساقط لا يعود.

 د - لا يجوز الرجوع في الهبة، إذا مات أحد طرفي عقد الهبة بعد قبض المال الموهوب؛ لأن المال الموهوب ينتقل بحكم الشرع بالموت إلى الورثة، وقد أخذ بذلك القانون اليمني حسبما سبق بيانه .

 هـ - لا يجوز الرجوع في الهبة، إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر، أو لذي رحم محرَّم؛ كالأخت، لما يترتب على ذلك من مفاضَلة بين هؤلاء دون مسوغ شرعي، وهذا أمر متَّفق عليه في الققه، وقد اخذ القانون اليمني بذلك حسبما سبق بيانه .

و - لا يجوز الرجوع في الهبة، إذا تصرَّف الموهوب له في المال الموهوب تصرُّفًا ناقِلاً للملكية، فإذا اقتصر التصرُّف على بعض المال المَوهوب، جاز للواهب أن يرجع في الباقي، وقد أخذ القانون اليمني بذلك حسبما ورد في المادة( 186) التي نصت على أنه مالم يكن الواهب قد استهلك الهبة حقيقة أو حكما اثناء حياة الواهب، واشترط القانون للرجوع في نص اخر ان يكون المال الموهوب موجودا أو عدم هلاك المال الموهوب .

 ز - لا يجوز الرجوع في الهِبَة إذا زادت العين الموهوبة زيادةً متَّصلة ذات أهمية تزيد من قيمتها، أو غيَّر الموهوب له المال الموهوب على وجه تبدل فيه اسمه، وقد أخذ القانون بذلك.

 ح - لا يجوز الرجوع في الهِبَة إذا هلك المال الموهوب في يد الموهوب له، فإذا كان الهلاك جزئيًّا جازَ الرجوع في الباقي، وقد أخذ القانون بذلك.

 ط - يجوز الرجوع في الهبة برضا طرفَي عقد الهِبَة، ويعدُّ ذلك مِن قَبيل الإقالة أو الفسخ الاتفاقي، وهذا أمر متَّفقٌ عليه في الفقه والقانون.

 ي - تَنتهي الهِبَة بموت الواهب أو إفلاسه قبل تسليمه الهِبة للموهوب له الرجوع في الهبة في الفقه الإسلامي، ا. د. علي ابو البصل، ص١0).

الوجه السابع : المسائل الخلافية بين الفقهاء بشأن الرجوع عن الهبة :

 سبق القول :ان الفقهاء اتفقوا على جواز الرجوع عن الهبة قبل قبضها، أما  الرجوع قبل القبض والحيازة، فقد اختلف الفقهاء في ذلك ، بناء على اختلافهم في اشتراط القبض للزوم الهبة، فقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الإيجاب والقبول ركن من أركان الهبة باتفاق الفقهاء، أما القبض: فلابد منه لثبوت الملك، وذلك عند الحنفية والشافعية، لأن الملك لو ثبت بدونه للزم المتبرع شيء لم يلتزمه، وهو التسلم فلا تملك بالعقد بل بالقبض، لما روي عن عائشة ـ رضي الله عنها -  أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله، يا بنية ما من الناسأحد أحب إلي غنى بعدي منك، ولا أعز علي فقرا بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وما ذهب إليه الحنفية والشافعية هو رأي بعض الحنابلة، والرأي الآخر للحنابلة: أن الهبة تملك بالعقد، فيصح التصرف من الموهوب له فيها قبل القبض، كذا في المنتهى وشرحه، وهو الذي قدمه في الإنصاف وعلى رأي الحنفية والشافعية، ومن رأى رأيهم من الحنابلة: يجوز الرجوع فيها قبل القبض، لأن عقد الهبة لم يتم، ولكنه عند من يرى ذلك من الحنابلة يكون مع الكراهة، خروجا من خلاف من قال: إن الهبة تلزم بالعقد، وعند المالكية: تملك الهبة بالقبول على المشهور، للموهوب له طلبها من الواهب إن امتنع ولو عند حاكم، ليجبره على تمكين الموهوب له منها لكن قال ابن عبد السلام: القبول والحيازة معتبران في الهبة، إلا أن القبول ركن والحيازة شرط، أي في تمامها، فإن عدم لم تلزم، وإن كانت صحيحة.(  الموسوعة الكويتية ٨/٢٦٧).

 ونعرض اختلاف الفقهاء بشأن جواز رجوع الواهب بعد قبض الموهوب، وفي غير الحالات والصور والموانع  المتفق عليها السابق ذكرها في الوجه السابق، فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :

القول الاول : ذهب إلى أنَّ الأصْل الرجوع في الهِبَة إلا لمانع، وهو قول  الحنفيَّة وبعض الزيدية ، واستدلُّوا على ذلك بالأدلة الآتية :

ا- قوله تعالى : ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 86]، ووجه الاستدلال بالآية الكريمة: ان التحية لفظ مُشتَرَك، وُضِعَ للدَّلالة على معنى السلام والثناء، والهدية بالمال بأوضاع مختلفة، والمشترك يتعين أحد وجوهه بالدليل، وقد تعيَّن معنى التحية بالآية الكريمة بالهدية، ودليل ذلك من نفس الآية، وهو قوله تعالى {أَوْ رُدُّوهَا}؛ لأنَّ الرد إنما يتحقَّق في الأعيان لا في الأعراض؛ لأنه عبارة عن إعادة الشيء، وهذا لا يُتصوَّر في الأعراض ومنها السلام، والآية تقتضي ردَّ الهدية بعينها، وهذا لا يتحقَّق إلا بالقول بجواز الرجوع في الهبة وهو الأصل، ما لم يَمنع مِن ذلك مانع شرعي.

ب - عن أبي هُرَيرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الواهِبُ أحقُّ بهبتِه ما لم يُثب منها)،  ووجه الاستدلال بالحديث الشريف: ان الحديث نصٌّ في جواز الرجوع في الهِبَة؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم جعل الواهب أحق بهبته ما لم يَصِلْ إليه العِوَض.

جـ - إجماع الصحابة؛ فقد رُوي عن الإمام علي وعمر وعثمان وأبي الدرداء وعبدالله بن عُمر وكثير من الصحابة القول بجواز الرجوع في الهبة، ولم يَرِد عن غيرهم خلافه، فكان  إجماعًا.

 د - المَعقول: عقد الهِبة من العقود التي تتعدَّد فيه المَقاصد والأغراض والدوافع، وهذه المقاصد متعلِّقة بأصحابها، ولا يطَّلع عليها أحد غيرهم، فالواهب خبير نفسِه، فقد يهب بقصد الإحسان والإنعام على الموهوب له، فقد يهب له طمعًا في المكافأة والمجازاة عرفًا وعادةً، وقد لا يَحصل هذا المقصود من الموهوب له، وفوات المقصود من عقد مُحتمَل للفسْخِ يمنع لزومه كالبيع؛ لأنه يعدم الرضا، والرضا كما هو شرط في الصحَّة فهو شرْط اللزوم، كما في البَيع إذا وجد المُشتري بالمَبيع عيبًا، ولم يَلزمه العقد؛ لعدم الرِّضا عند عدم حصول المقصود وهو السلامة، وكذلك الهِبَة إذا لم يتحقَّق مَقصود الواهب من الهِبَة لم يلزمه عقد الهبة، ويكون له الرجوع فيها.

 القول الثاني : ذهب إلى أن الأصل في الهِبَة اللزوم، إلا في هبة الوالد لولده، وهو قول الشافعية والمالكيَّة والحنابلة والظاهرية وبعض الزيدية، واستدلُّوا على قولهم بالأدلة الآتية :

أ - قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ... ﴾ الآية ، ووجه الاستدلال بالآية الكريمة: ان الآية الكريمة أصل تشريعي عام، يُفيد بعمومه وجوب الوفاء بالعقود عامة ، وهذا يقتضي لزومها في الهبة ؛ لأن الوفاء أثر لذلك، فعقد الهِبَة يندرج تحت هذا الأصل التشريعي العام.

 ب - قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾.، ووجه الاستدلال بالآية الكريمة: ان الآية الكريمة أصل تشريعي عام، يفيد بعمومه حرمة إبطال الأعمال، وهذا ينطبق على الرجوع في الأعمال؛ لأنه من وسائل إبطالها، فالرجوع في الهبة يندرج تحت هذا الأصل التشريعي العام، والذي يَقضي بعمومه عدم جواز الرجوع في الهِبَة إلا بدليل شرعيٍّ خاصٍّ، كهِبَة الوالد لولده، والهِبَة بعِوَض؛ لورود أدلة خاصة بها، ويَبقى النص العام عاملاً فيما وراء الخاص؛ ليكون الأصل عدم جواز الرُّجوع، والرجوع استثناء بدليل شرعي خاصٍّ مُعتبَر.

ب - عن ابن عباس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((مثل الذي يَرجِع في صدقته كمثلِ الكَلب يقيء ثم يعود في قيئه، فيأكله))، وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((العائد في هِبَته، كالعائد في قيئه)، ووجه الاستدلال بالحديث الشريف: إن الحديث يفيد تَحريم الرجوع في الهِبَة؛ لأنَّ الرجوع في القيء حرام، فالمشبه به وهو الرجوع في الهبة حرام مثله.

 جـ - عن عمرو بن شعيب، حدثني طاووس عن ابن عمر وابن عباس، يَرفعان الحديث، قال: لا يحلُّ الرجل أن يعطي عطية، ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، مثل الذي يعطي العطية، ثم يرجع فيها، كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء، ثم عاد إلى قيئه"، قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، قال الشافعي: لا يحلُّ لمَن وهَبَ هِبةً أن يَرجع فيها، إلا الوالد، فله أن يرجع فيما أعطى ولده، واحتجَّ بهذا الحديث، ووجه الاستدلال بالحَديث الشريف:ان الحديث نصٌّ في الموضوع، لأنه ينصُّ صراحة على حرمة الرجوع في الهبة، إلا فيما يهَبُ الوالد لولده.

 د - المعقول، ويشتمل على ما يلي:

 - الرجوع في الهبة، يؤدي إلى العداوة والبغضاء والنفور بين الناس ، وهذا لا يجوز شرعًا.

  - الأصل في العقود اللزوم، وإنما لا تلزم بسبب عارض أو خلل، ولم يُوجد عارض يمنع لزوم الهبة؛ لأنَّ المقصود من عقد الهِبَة، هو صِلَة الرحم والمحبة والثواب وإظهار الجود والسخاء، وهذه المَقاصد لا تتحقَّق إلا بلزوم الهِبَة، وتَنْتفي بالرجوع فيها.

  - الرجوع في الهبة ليس من محاسن الأخلاق، والنبي عليه وآله الصلاة والسلام  : إنما بعث ليُتمِّم محاسن الأخلاق.

  - قياس الهبة للأجنبي على الهبة لذي رحم محرَّم؛ لأنَّ المقصد من الهبة في الأمرين واحد؛ ولا مسوِّغ للتَّفريق بينهما.

والقول المختار : هو القول الثاني الذي ذهب إلى لزوم الهبة، وعدم جواز الرجوع فيها، شريطة القبض في المنقول كالمَكيل والموزون، وكذلك التوثيق والتسجيل في الدوائر الرسمية كقلم التوثيق والسجل العقاري بالنسبة للعقار، وللأسباب التالية:

أ - قوة الأدلة الواردة في ذلك سندًا ومتنًا،وضعف وقلة أدلة القول الأول

 ب  - من أجل تحقيق المقصد الشرعي من الهبة، والذي يتمثَّل بالأجر والثواب والمحبة بين الناس، فالرجوع يؤدِّي إلى الخصومة والتنازع والعَداوة، وهذه أمور محرَّمة وباطِلة، فما يؤدي إليها وهو الرجوع في الهبة يكون باطلاً بالبَداهة.

 ج - من أجل الحفاظ على مبدأ استقرار المعاملات بين الناس، وهو مبدأ أصيل ومهمٌّ في التعامُل بين الناس، وإناطة أَمرِ الهِبة بقَصد الإنسان ونيَّته المُتغيِّرة، يؤدِّي إلى عدم استقرار التعامُل بين الناس؛ ولهذا يجب ربط الهِبَة بمَقصدها الشرعي الثابت؛ لأنَّه يمثِّل حكمة تشريع الهِبة.

 د - ولارتباط الهبة بمَحاسن الأخلاق وحسْن العادات، والأخلاق الحسَنة تتَّسم بالديمومة والثبات.)الرجوع في الهبة في الفقه الإسلامي، ا. د. علي ابو البصل، ص١١) ومن خلال ماتقدم عرضه يظهر ان الحكم محل تعليقنا قد جاء موافقا للقول المختار في الفقه الإسلامي، والله اعلم.

refresh 399

اكتب رسالة مفصلة للمحامي

لم يتم نشر رقم الهاتف! توقع ردا على هذه الصفحة. يمكنك إضافته إلى "المفضلة" والعودة في وقت مناسب لك..

استشارات
0

 

 

Посещаемость:

Яндекс.Метрика