icon

استشارة قانونية مجانية هنا!

إذا كنت بحاجة إلى مساعدة محام - اسأل هنا ، نجيب سريعًا ومجانيًا!

الدردشة عبر الإنترنت مع محام

مدى دستورية منع الأفراد من السفر

من أهم الحقوق والحريات المكفولة في الدستور حق الأفراد وحريتهم في السفر والإنتقال من دولة إلى دولة ، ولذلك فان  منع الأفراد من السفر قيد خطير على حريتهم في السفر والإنتقال، فينبغي ان يكون منع السفر  بموجب نص قانوني يجيز ذلك ويحدد حالات اللجوء اليه ومدته، لأن المنع من السفر مجرد تدبير وقتي، فيجب  أن يحاط بإجراءات وضوابط وضمانات تكفل عدم إهدار حق الأفراد وحريتهم في السفر والإنتقال، ولأن المنع من السفر قيد على حرية السفر فيجب ان يرد ذكره في نص قانوني يبين  حالات المنع وإجراءات ذلك ضمانات ذلك، كما ينبغي أن يصدر قرار المنع من السفر من القضاء اي من النيابة العامة اثناء التحقيق أو من المحكمة عند المحاكمة، ووفقا للقانون يجوز اللجوء إلى منع السفر في القضايا الجزائية والمدنية والتجارية والشخصية والإدارية، وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ29/12/2010 م في الدعوى الدستورية رقم (1/5) لسنة 2005م الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد جاء في دعوى عدم الدستورية أن ما ورد في المادة (63) من قانون ضريبة المبيعات يخالف المادتين (48 و57) من الدستور، إذ نصت المادة (63) من قانون ضريبة المبيعات على أنه (يجوز لمصلحة الضرائب ان تطلب كتابةً من النيابة عدم السماح لمالك أو مدير أو ممثل الشركة أو المنشأة من السفر إلا إذا حصل على شهادة من مصلحة الضرائب تفيد سداد الضريبة...إلخ)، حيث ذكرت المدعية ان هذا النص يخالف المادتين (48 و57) من الدستور، لأن المادة (48) من الدستور تنص على انه (لا يجوز القبض على اي شخص اوتفتيشه  اوحجزه  إلا في حالة التلبس أو بأمر توجبه ضرورة التحقيق وصيانة الأمن يصدره القاضي أو النيابة العامة وفقاً لأحكام لقانون، وفي كل الأحوال لا يجوز للنيابة العامة الاستمرار في الحجز لأكثر من سبعة أيام إلا بأمر قضائي...إلخ)، في حين تنص المادة (57) من الدستور على ان (حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنية مكفولة لكل مواطن ولا يجوز تقييدها إلا في الحالات التي يبينها القانون لمقتضيات أمن وسلامة المواطن وحرية الدخول إلى الجمهورية والخروج منها ينظمها القانون ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن الأراضي اليمنية أو منعه من العودة إليها، ومن خلال الدراسة والمناقشة للدعوى والرد عليها فقد تبين للدائرة أن المدعية قد نعت على المادة (63) من قانون الضريبة العامة على المبيعات مخالفتها للمادتين (48 و57) من الدستور لتضمن النص الطعين الحجز على الحرية، وهو قيد خطير لا يجوز توقيعه إلا بحكم قضائي وليس بناءً على طلب الجهة الإدارية كالضرائب، فقد تواترت أحكام القضاء الدستوري المقارن على أن حرية التنقل تندرج ضمن الحريات العامة، ولذلك لا يجوز لأسباب ضريبية منع الممول من الإنتقال والسفر.

وبتأمل الدائرة لنص المادة الطعينة تجد أنها قد اجازت لمصلحة الضرائب مطالبة  النيابة  العامة عدم السماح لمالك أو مدير أو ممثل الشركة أو المنشأة الأجنبية بالسفر إلا إذا حصل على شهادة من المصلحة تفيد سداده الضريبة، ولا يخفى أن المنع من السفر هو من الإجراءات الاحترازية التي خول القانون لكل ذي مصلحة أن يتقدم إلى القضاء ممثلاً بالنيابة العامة في مرحلة التحقيق والمحكمة في مرحلة المحاكمة، وان الذي يصدر ذلك الأمر هو القضاء وفقاً للصلاحيات القانونية التي خولته حق تقدير إصدار ذلك الأمر اذا توفرت مقتضياته، كما تبين للدائرة ان المدعية  جادلت في المنع من السفر  باعتباره حجزاً  للحرية وتقييدٍا لها، مع أن الثابت أن المنع من السفر لمالك أو مدير أو ممثل الشركة أو المنشأة الأجنبية قد نظمه القانون وجعله من اختصاص النيابة، وذلك يوافق الدستور ولا يخالفه ))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول : ماهية قرار المنع من السفر :

قرار المنع من السفر هو وثيقة رسمية مستعجلة تصدر من النيابة أو المحكمة المختصة بناء على طلب مكتوب مقدم من ذي صفة ومصلحة يتضمن  الطلب ومرفقاته بيان الوقائع والاسانيد التي تدل على صحة البيانات والاسانيد الواردة في الطلب، وما يثبت ما يخشاه من سفر المطلوب منعه وضياع الحق إذا ما سافر المطلوب منعه .

 

وقرار المنع من السفر تدبير أو  إجراء وقتي مستعجل يجوز العدول عنه متى زالت الظروف التي استدعت صدوره، ويجوز لمن أصدر الأمر أن يلغيه، فالأمر بمنع السفر ليس حكما قضائيا له حجيته الدائمة، ولذلك فقد نص قانون المرافعات على قرار المنع من السفر  ضمن مسائل القضاء المستعجل، فقد نصت المادة(240 ) مرافعات على أنه( يعتبر من المسائل المستعجلة في الحالة التي يخشى عليها من فوات الوقت ما يأتي :1-طلب سماع شاهد مع عـدم المساس بحق المدعى في استصدار أمر بمنعه من السفر إذا اقتضى الأمر ذلك .2- طلب استرداد الحيازة .3- طلب إثبات الحالة .4- طلبات بيع الأموال القابلة للتلف أو الإذن به .5- طلب فرض الحراسة القضائية .6- طلب الأمر بنفقة مؤقتة .7- الطلبات المتعلقة بحماية الوضع الظاهر وإعادة الحال إلى ماكان عليه )، كما نصت المادة(238 ) مرافعات على أن هذه الأوامر من قبيل الأوامر المستعجلة الوقتي، حيث نصت هذه المادة على أن(القضاء المستعجل حكم مؤقت بتدبير وقتي أو تحفظي يصدر في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت دون التعرض لأصل الحق ).

 

وقرار المنع من السفر قد يكون في المسائل المدنية والتجارية والأحوال الشخصية حسبما ورد في قانون المرافعات وعلى النحو السابق بيانه، كما قد يصدر قرار المنع من السفر في المسائل الجزائية وفي هذه الحالة قد يصدر الأمر من النيابة بمناسبة قيامها بالتحقيق، وقد يصدر قرار المنع من المحكمة الجزائية  عند نظرها في القضية، وفي كل الأحوال فإن القرار بمنع السفر يتم توجيهه إلى الجهة الرسمية المختصة المعنية بالإشراف على إجراءات السفر، وهي مصلحة الهجرة والجوازات ، وفي هذا الشأن فقد نصت المادة (12)  من قانون الجوازات على  وجوب تنفيذ مصلحة الهجرة والجوازات لقرار منع السفر الصادر من النيابة العامة أو المحكمة، فقد نصت هذه المادة على أنه( يجب على رئيس مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية أو من يخول له بناءً على أمر صادر من النيابة أو القضاء أن لا يأذن لشخص بمغادرة البلاد وفي هذه الحالة على ضابط الهجرة المختص إبلاغ الشخص بذلك وإذا كان جواز السفر أو وثيقة السفر قد أشر عليها بالإذن فعليه أن يلغي هذه التأشيرة)، في حين صرحت المادة(13 ) من القانون ذاته على أحقية الممنوع من السفر احقيته في الإعتراض على قرار منعه من السفر، إذ نصت هذه المادة على أنه( لكل شخص منع من السفر وفقاً للمادة (12) أن يعترض على قرار المنع لدى أجهزة النيابة العامة).

 

اما المــادة(3) من اللائحة التنفيذية لقانون الجوازات فقد جزمت  بعدم جواز منح  جواز سفر لمن قرر القضاء  منعه من السفر، وفي هذا الشأن  نصت هذه المادة على أن( تمنح جوازات السفر لكل من يتمتع بالجنسية اليمنية وفقا للشروط والاوضاع التالية: -ا: تعبئة الاستمارة المعدة لهذا الغرض .ب: ارفاق صورة من البطاقة الشخصية او العائلية وان تعذر ذلك ترفق اية وثيقة رسمية صادرة من جهة مختصة يستدل منها على شخصية طالب الجواز وبلوغه سن السادسة عشر .ج: احضار مذكرة رسمية من الجهة التي يعمل بها ان كان موظفا حكوميا او تجارياد: احضار مذكرة رسمية من وزارة التربية والتعليم بالنسبة للطلاب المبعوثين للدراسة في الخارج .هـ: ان يحدد موقفه الايجابي من قانون الضرائب والدفاع الوطني اذا كان يلزمه ذلك بمستند رسمي صادر من الجهة المختصة بذلك .و: المتقدم بالطلب من ابناء المغتربين اليمنيين في بلدان اغترابهم عليهم ابراز شهادة الميلاد ، وتملئة استمارة الطلب والتي تعتمد من قبل البعثة الدبلوماسية او القنصلية المعتمدة .ز: ان يدفع الرسوم المقررة قانونا .ح: الا يكون ممنوعا من السفر استنادا الى حكم او قرار صادر من السلطات القضائية المختصة).

 

ومن خلال استقراء النصوص السابقة يظهر ان قرار المنع من السفر لايصدر الا من السلطة القضائية( النيابة أو المحكمة )وبموجب القانون الذي ينص على جواز ذلك، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن قرار المنع من السفر المنصوص عليه في قانون ضريبة المبيعات  لايخالف الدستور الذي كفل حرية الإنتقال والسفر، لأن الدستور الذي قرر حرية التنقل أحال إلى القانون أمر تنظيم هذه الحرية، فالحقوق والحريات تحتاج إلى تنظيم حتى لا تتحول الحريات إلى فوضى، فتتصادم حقوق وحريات الأفراد، فالتنظبم يضمن تمتع جميع الأفراد بحقوقهم وحرياتهم، فليس من المقبول شرعا وقانوناً القول بأن الحقوق والحريات مطلقة لايرد عليها قيد أو تنظيم، ولذلك قال فيلسوف الحرية فولتير( حريتك تنتهي عند حدود حرية غيرك ).

ولايفوتنا التنوية إلى أن  الغالب في قرار منع السفر هو منع السفر إلى خارج الدولة، بيد أنه قد يصدر قرار منع السفر داخل الدولة  سيما سفر الحاضنة اذا ترتب على السفر فوات الحق في رؤية المحضون .

الوجه الثاني : حرية  التنقل  بين الإطلاق التقييد ورقابة القضاء :

لاشك أن  المنع من السفر له أهمية خاصة، لانه يتعلق بأحد أهم  مظهر من مظاهر الحرية الشخصية للإنسان، ألا وهو حق التنقل والسفر، والذي  يحقق  عدة من الحقوق والحريات الأخرى التي لاتتحقق الا بحرية السفر والإنتقال ، سواءٌ حرية العمل، أو التعلم، أو الصناعة، أو التجارة، أو السياحة داخل البلاد وخارجها، كما تمثل حرية السفر في الفقه الإسلامي أصلاً عاماً وأمراً طبيعياً ملازماً للحياة، فضلاً عن أنها تمثل أحد الضمانات الدولية والدستورية المقررة للأفراد والتي تحرص مختلف الدول على تضمينها في دساتيرها، بوصفها مظهر من مظاهر سيادة القانون ودولة القانون التي تقاس بمدى احترامها لحقوق الأفراد وحرياتهم. ولما كانت مصلحة المجتمع تقتضي تنظيم هذه الحرية بما لا يضر بمصلحة الأفراد وسيادة الدولة على إقليمها، فقد تدخل المقنن في العديد من القوانين العادية لتقييد هذه الحرية.

فحرية الإنسان في التنقل من أهم حقوق الإنسان  التي كفلها الدستور ونظمها القانون على النحو السابق بيانه غير أن حرية التنقل ترد عليها بعض  القيود بإعتبار حرية التنقل من الحريات الأساسية  التي قد تؤثر في ممارسة الأفراد لها،  وتتمثل تلك القيود في قرارات المنع من السفر والاعتقال  والابعاد، ولاريب أن حرية السفر أو الإنتقال تحتاج إلى تنظيم يكفل ممارسة الأفراد لها على الوجه المنشود، فلا يوجد تعارض بين حرية السفر و بين تنظيم ها في القانون ، كما لا يوجد صراع بينها و بين السلطة القائمة على تنظيم تلك الحريات، لأن التنظيم هو الذي يعطي المناخ الملائم لممارستها و الموازنة بين حق كل فرد في التمتع بحقوقه و حرياته الأساسية دون أن يعتدي على حقوق و حريات الآخرين و بين اعتبارات الصالح العام و حماية الأمن و النظام في المجتمع.

كما ان الشريعة الإسلامية قد وضعت نظاما شاملا متكاملا لحماية حقوق الإنسان و حرياته الأساسية ومنها حرية الإنسان في السفر، و ذلك منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، مما يؤكد أن موضوع حقوق الإنسان وحياته ليست من نتاج الحضارة الغربية، كما يدعي  بعض المفكرين الغربيين ، فقد كفل النظام القضائي الإسلامي حماية فعالة لحقوق الإنسان (للمسلمين و غيرهم من المقيمين إقامة دائمة أو مؤقتة بالدول الإسلامية)، و ذلك من خلال القضاء العادي، وولاية المظالم وقضاء الحسبة.

والرقابة القضائية على دستورية القوانين ومدى فاعليتها تعتبر إحدى الضمانات المهمة في مواجهة التشريعات و اللوائح غير الدستورية، و التي قد يعن لأحدي السلطتين التشريعية أو التنفيذية إصدار بعضها لأغراض تتجافى مع المصلحة العامة، وتؤدي إلى الانتقاص من حرية التنقل و الإقامة أو إهدارها، ووسيلة حماية حق الإنسان في السفر والإنتقال هو الرقابة على دستورية القوانين التي تنص على   منع الانسان من السفر، وتسند مهمة الرقابة على دستورية القوانين في اليمن إلى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، و في فرنسا عهد بهذه المهمة إلى المجلس الدستوري الذي يصدر قرارات ملزمة  تكون لها حجية مطلقة، أما في مصر فتعد الرقابة على دستورية القوانين– بحق –من أقوى الضمانات التي تكفل حماية حرية التنقل  و غيرها من الحريات– لما تحوزه أحكامها من حجية مطلقة في مواجهة جميع السلطات و الأفراد بالدولة،و حرية التنقل  من الحريات الأساسية للإنسان، يترتب على تمتعه بها إمكانية ممارسته، لباقي الحقوق و الحريات و هي تخضع للتنظيم القانوني للمحافظة على حقوق و حريات باقي الإفراد في المجتمع و الحفاظ على الأمن و النظام العام و تحقيق مصلحة الدولة، و هذا التنظيم قد يقتضي تقييد حرية الإنتقال عن طريق  صدور قرارات مثل قرار المنع من السفر، و تحديد الإقامة و الإبعاد .( الرقابة على حقوق الإنسان (حق التنقل و الإقامة)‎ : دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي و القانون الدولي و القانون المصري، طاهر فتحي عقل، ص6 ).  

  الوجه الثالث : تنظيم قرارت منع السفر في قانون الإجراءات الجزائية :

 لم ينظم قانون الإجراءات الجزائية اليمني قرارات المنع من السفر مع كثرة قرارات منع السفر في القضايا الجزائية، وكذلك الحال بالنسبة لقانون الإجراءات الجزائية في مصر، بيد أن هناك في مصر تعديلات في قانون الاجراءات الجنائية لتضمين القانون تنظيما خاصا بإجراءات قرارات منع السفر، فهذه أول مرة يتم فيها التطرق إلى تنظيم المنع من السفر بصورة قانونية(  وقد تم تعديل قانون الإجراءات الجنائية المصري عام 2017). وتنص المادة (155 ) من مشروع  ذلك القانون  على أن النائب العام – أو من يفوضه – وقاضي التحقيق "المختص" هم وحدهم المخول لهم قانوناً إصدار أمر مسبب بمنع أحد المتهمين من السفر خارج البلاد أو بوضع أسمه على قوائم ترقب الوصول، كما أشترطت تلك المادة أن يصدر  قرار منع السفر في حالة وجود أدلة كافية على جدية الإتهام في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وحددت تلك التعديلات زمن  قرار المنع من السفر وهو أن يكون لمدة أو لمدد محددة لا تجاوز في مجموعها سنتين، كما منحت هذه التعديلات  النائب العام أيضاً  الصلاحية فيما يخص المتهمين والمحكوم عليهم ممن تطلب الجهات القضائية الأجنبية المختصة نقلهم أو تسليمهم أو محاكمتهم، واتجهت  التعديلات الجديدة أيضاً إلى ضرورة إعلان من يصدر في حقه  قرار منع السفر  خلال سبعة أيام من تاريخ صدور قرار المنع من السفر ، وذلك ضماناً لحقه في إتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة حيال ذلك القرار، ولكن كما يُحسب إلى المقنن تحركه الإيجابي من أجل وضع إطار تشريعي واضح ينظم قرارات المنع من السفر، فإنه يُؤخذ عليه أيضاً توسعه في الجرائم التي قد يصدر بشأن التحقيق فيها مثل هذا النوع من القرارات،، حيث أعتبر أن التحقيق في أي جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنة قد يستلزم صدور قرار بالمنع من السفر، بينما كان يجب عليه قصر هذا الإجراء الإحترازي الذي يعطل حقا دستوريا وطبيعيا كالحق في التنقل على جرائم بعينها، كالجنايات التي تضر بالأمن القومي وجرائم الأموال التي قد يصبح هروب المتهم فيها إلى خارج البلاد مما يجعل ذلك عقبة في إستعادة أموال منهوبة.

بالإضافة إلى ما سبق،فقد كفلت التعديلات للممنوع من السفر أو المدرج على قوائم ترقب الوصول حق التظلم من هذا الأمر أمام المحكمة الجنائية المختصة خلال

خمسة عشر يوماً من تاريخ علمه بصدور القرار، ولكن التعديلات أشترطت عدم جواز إعادة التظلم في حال رفضه قبل مضي ثلاثة أشهر من تاريخ رفض التظلم السابق عليه، كما أجازت التعديلات  لسلطة التحقيق مُصدرة القرار أن تعدل عن قرارها منع السفر في أي وقت، ولو لمدة محددة

 وجدير بالذكر أنه تم الأخذ في الإعتبار "الظروف الصحية" للمتهمين الممنوعين من السفر حيث أعطى مقترح التعديل  النائب العام رخصة التصريح بالسفر إلى دولة أو دول معينة لمددة محددة بغرض العلاج، وذلك في حالة ما إذا تم تقديم الضمانات الكفيلة بالعودة إلى البلاد عند إنتهاء مدة التصريح، وهو الأمر الذي نجده إيجابيا، حيث كما سبق وذكرنا أن المنع من السفر هو في حقيقته تدبير إحترازي كغيره من التدابير الإحترازية كالحبس الإحتياطي والمراقبة وغيرها، ولذلك لا يجوز أن يتم إستخدامه كعقوبة يحرم من خلالها أيا من الأشخاص في حقه من تلقي الرعاية الطبية اللائحة.

وكذا تضمنت التعديلات  المشار إليها نصا على إنتهاء قرار المنع من السفر أو الإدراج بعد مرور سنتين من تاريخ صدوره، إذا لم يكن قد تم الفصل في موضوع الدعوى الجنائية. وفي تقديرنا أن مدة السنتين هي مدة طويلة نسبياً، خاصة إذا كان للممنوع من السفر أعمال خارج البلاد يجب عليه إدارتها ومتابعتها أو إذا كان أحد أفراد أسرته يعيش في الخارج ويحتاج منه الرعاية اللازمة. لذا كان من الممكن أن يتم تقليص تلك المدة إلى سنة واحدة، وهي مدة كافية لإتخاذ كافة التحقيقات والإجراءات التي قد تكون ضرورية من أجل الفصل في إحدى الدعاوى الجنائية.

وقد كان الباعث على تعديل قانون الإجراءات المصري ان  قرارات المنع من السفر كانت تصدر من جهات غير قضائية  حيث كانت وسيلة للتنكيل والانتقام من الخصوم، على الرغم من  حرية السفر المدرجة في الدستور، والتي تشترط أن يكون صادرا من سلطة قضائية، ولمدة محددة، إلا أن الجهات الأمنية والقضائية على السواء كانت تستفيد من غياب القوانين التي تنظم تلك العملية، لتصبح القرارات المتتالية لوزير الداخلية في مصر -التي هي في مرتبة أدنى من القانون- هي السند الوحيد في تنظيم قوائم الممنوعين من السفر، في استهانة واضحة بنص الدستور. لذا يجب التأكيد على أهمية هذا المقترح لتنظيم اجراءات المنع من السفر كإجراء احترازي أثناء التحقيق في الدعاوى الجنائية والذي كان مطلبًا مُلحًا لسنوات عديدة من كل المهتمين بالشأن القضائي والقانوني في مصر. ولكن في الوقت نفسه، يؤخذ على التعديل الحالي كما أشرنا توسعه في إعمال السلطة التقديرية الممنوحة لسلطات التحقيق، وذلك بعدم النص على قضايا بعينها قد يتم إستخدام ذلك الإجراء خلال التحقيق فيها. وهو الذي قد يتخوف معه استخدام هذه السلطة بصورة تعسفية تجاه بعض الأشخاص.( تنظيم المنع من السفر في مقترح تعديل قانون الاجراءات الجنائية المصري، أحمد صالح، ص3)، والله اعلم.

refresh 302

اكتب رسالة مفصلة للمحامي

لم يتم نشر رقم الهاتف! توقع ردا على هذه الصفحة. يمكنك إضافته إلى "المفضلة" والعودة في وقت مناسب لك..

استشارات
0

 

 

Посещаемость:

Яндекс.Метрика